شباب الثورة وصمت وانكفاء السياسي (2-2)
يمنات
قادري أحمد حيدر
حين أشرتُ للقاضي أحمد سيف حاشد في مقالة سابقة، إنما أشرت إليه كمثال سياسي يتحرك خارج الأطر السياسية المنظمة، و لكنه يتكامل معها في كل ما يقول و يفعل، و ليس شرطاً أن يكون نسخة من عضو الحزب، هو يتحرك بذاتيته السياسية “المستقلة”، في الخط العام للإصلاح و التغيير، و علينا أن نتضامن معه، و مع جميع شباب الثورة، و رجال الكلمة الحرة في كل البلاد، لأن هناك ما يوحدنا و يجمعنا بهم، في كل ما يقولونه و ما يفعلونه على الأرض. علينا أن نتخلى عن عادة جمع الكل في الواحد السياسي/الحزبي، و نترك مسافة حرية تؤكد تعددية العمل السياسي الحر للناس كما يرون ذلك مناسبا لهم..
إن المشكلة لا تكمن في القاضي أحمد سيف حاشد، أو بشرى المقطري، و عفراء الحريري، و خالد الرويشان، و صلاح السقلدي، و سامية الأغبري، و خالد سلمان، و د. الفت الدبعي، و غيرهم، في رؤاهم السياسية الواضحة و المنيرة، الخاصة بهم، و التي تعيننا على الابصار أكثر .. رؤى و افكار قد لا تتقاطع مع كل ما نريد و نتصور، وهماً، أنه الصح، لأن المشكلة و الأزمة كامنة في مكان ٱخر، هو أننا فقدنا بوصلة الرؤية، و بالنتيجة غابت المنظومة السياسية الفاعلة لنا، بعد أن تحولت قيادات الأحزاب – كما سبقت الاشارة – إلى ملحق و تابع إما بالجماعة الحوثية، أو بالسعودية و الإمارات، – و أنا هنا لست ضد فكرة التحالفات، بل ضد تحول التحالف إلى انتداب و وصاية – و هو ما أفقد الأحزاب ليس قدرتها على الفعل، بل و حتى القدرة على القول، بإصدار بيانات سياسية وطنية واضحة حول ما يجري في البلاد، من الدور التخريبي للإمارات في جميع المحافظات الجنوبية من عدن، إلى تعز، و المخا، و الساحل الغربي، حتى سقطرى التي دججوها بالسلاح و المعسكرات، و هي المدن – أقصد عدن و سقطرى، و المهرة – المسالمة و الخالية من السلاح، إلى الدور السعودي المعادي لقضية وجود الدولة المدنية الديمقراطية اليمنية، ذات السيادة و المستقلة، – بل و أزعم أنها (السعودية) تناصب العداء لقيام الدولة اليمنية القوية حتى و إن كانت شبيهتها في نظام الحكم. كما فقدت – قيادات المكونات السياسية – القدرة على تحديد الموقف من الانقلاب الحوثي في صنعاء، حيث يقف بعض القيادات ضده، و بعضهم متماهون معه، و هو ما أفقد الاحزاب استقلاليتها السياسية، و جعل وحدتها التنظيمية تعيش حال ركود قد تقودها للتشظي و التبعثر التنظيمي، و مؤشرات و ملامح مثل ذلك واضحة بل و معلنة من قبل البعض، و قيادات الاحزاب تسلك تجاه ذلك سلوك النعامة، و كأن لا شيء يجري داخل احزابها، أو هي ذاتها تنتظر ذلك الانفلاش..!!
اليوم قيادات الأحزاب جمدت أحزابها عند مسمى “تحالف دعم الشرعية” و هو المسمى الذي يكتسب مع كل يوم يمر مزيداً من الغموض إن لم نقل مزيداً من الإهتراء .. “الشرعية” الموجودة من ست سنوات في الرياض .. كنت أتمنى على قيادة الأحزاب أن تقول لنا من الذي يمنع الشرعية من التواجد على أرض البلاد: عدن، أو حضرموت ..إلخ؟. من الذي يحتل سقطرى اليوم..؟ من الذي يحتل و يعسكر جزيرة “ميون”..؟ من الذي يجمد الموانئ و المطارات في جنوب البلاد..؟ و أن يقولوا لنا في بيان سياسي وطني واضح موقفهم من مليشيات طارق عفاش، و ممن يتلقى هذا العفاشي الأوامر، و من يموله، و لماذا يرفض الاعتراف بشرعية عبد ربه منصور..؟؟ و ما الذي يجري في تعز المحاصرة من الحوثي، و من معسكرات محور “الشرعية”، و من الجماعات السلفية/ “الجهادية”، و أن يقولوا للناس ماذا يحصل في الساحل الغربي من أربع سنوات..؟ و من يحتل المخا، الميناء و المدينة..؟ أليس هو طارق عفاش وكيل الإمارات في اليمن، و معه الجماعات السلفية التكفيرية الملحقة سياسيا و عسكريا بالإمارات..؟! و ما هو تفسيرهم لحرب الجوف و مأرب..؟ و ما تفسيرهم لتهديدات البعض باجتياج الجنوب ثانية..؟ و هل صحيح ذلك أم هي تسريبات..؟! مع أننا حتى اللحظة ما نزال نعيش و نجتر تداعيات الحرب الاجرامية، و اللاوطنية ضد الجنوب، في 1994 م .. و الأسئلة من هذا القبيل كثيرة..!!.
هناك كثرة من شباب الأحزاب، و غيرهم ما يزالون على خط المقاومة السلمية المدنية في الدفاع عن البلاد، و حرية الإنسان فيه، و جميعهم يصطفون مدافعين عن مشروع الدولة المدنية الديمقراطية الإتحادية، و مع حل سياسي وطني ديمقراطي عادل للقضية الجنوبية، وفقاً لما تقرره الإرادة السياسية الشعبية الحرة للناس في جنوب اليمن بكل مجموعهم السياسي و الاجتماعي و الوطني، و ليس وفقاً لمشيئة و رغبة أي دولة خارجية.
و السؤال: ماذا يعمل البرلمان المحسوب على “الشرعية”، أو بالأصح بقايا البرلمان، و الذي لا يستطيع أن يجتمع في أي مكان داخل البلاد..؟ و حين يجتمع يكون بحراسة عسكرية سعودية مشددة. و الأهم، أن مخرجاته (البرلمان) السياسية في كل الأحوال لا تقول شيئاً له معنى سياسي أو وطني، و إنما فقط عبارات مكررة في قدح الحوثي، و في تمجيد و شكر دور السعودية في دعمها لهم، علماً أن بقايا البرلمان المحسوب على جماعة الحوثي يجتمع و يصدر قراراته بما يتناسب و مصالح و توجهات الجماعة، و برلمان “الشرعية” و هو الغالبية، مجمد و راكد في انتظار الأوامر من أصحاب القرار السياسي في الرياض، حول ماذا يقولون في بيانهم..!!
إن مشكلتنا الحقيقية تكمن هنا، و ليس في قول كلمة حق في هذا الاسم السياسي أو ذاك، أو حتى في تضخيم دور البعض منهم، و مثال ذلك ما كتبته عن القاضي أحمد سيف حاشد، كما قد يرى البعض. فهذه الاسماء من شباب الثورة، أو من سواهم، و من رجال الكلمة الواضحة الصادقة هم الذين ما يزالون على الخط العام لفكرة و قضية الاصلاح و التغيير .. اليوم شباب الثورة العزل من دعم احزابهم، إلا من قمع السلطتين، هم من يقودون معركة السياسة في إتجاه الاصلاح و التغيير و لو بحدوده الدنيا، سواء في جنوب البلاد أو في شماله، و يواجهون باشكال قمع مختلفة، وصولاً للاعدام قتلاً، و بعضهم، مثل أحمد سيف حاشد، و عفراء حريري، و صلاح السقلدي، و محمد علي محسن، و علي عبد الملك الشيباني، و خالد الرويشان، و بشرى المقطري، وضاح حريري، و فتحي بن لزرق، و منصور هائل، و محمد الشيباني و غيرهم يقولون كلماتهم المنيرة في قلب هذا الظلام ضد جميع المعيقين لمشروع دولة المواطنة و الحريات و الحقوق، و من مواقعهم الفكرية و السياسية المختلفة، على قاعدة، “من المختلف، يولد أجمل مؤتلف” .
إن مشكلتنا العويصة اليوم، هو أنه ما يزال يجري و يتم، و بصورة منظمة و ممنهجة، استكمال تفكيك و تدمير ما تبقى من الطبقة الوسطى، بفعل السياسات الاقتصادية و المالية الحاصلة، و في القلب منها مصادرة راتب أكثر من 70% من موظفي الدولة من أكثر من خمس سنوات متواصلة، و كذا بفعل تحول “الجباية” إلى قانون حياة، و هو ما ينعكس سلباً في ضعف الحياة السياسية، و بالنتيجة تراجع دور العمل الحزبي المنظم أكثر فأكثر. فالطبقة الوسطى تاريخياً، نتاج مجتمع سوي، و اقتصاد منتج يعيش حالة استقرار و تنمية، اقتصادية/ انتاجية/، و الأهم أن الطبقة الوسطى (حامل مشعل الاصلاح و التنوير) نتاج، و منتج في الوقت نفسه، لحالة دستورية قانونية، منضبطة في إيقاع عملها و حركتها على الفعل المنظم ادارياً/ و قانونياً، (البيروقراطية) و جميعها مشلولة، لا تعمل، بعد أن حلت الميليشيات بديلاً عن الدولة، و صار “الجهل المسلح”، و غير الاكفاء، هم من يديرون، النظام، و مؤسسات الدولة، و ذلك هو سر ضعف السياسة و الإدارة و النظام، و تدهور و ضعف دور الاحزاب، في واقع قيادات مهزوزة و مرتبكة، لا تعرف ماذا تريد، و أخشى القول إنها تعرف المطلوب منها و لكنها أضحت لا تقوى .. و لا كيف تتحرك و تعمل في الاتجاه الصحيح .. فضلاً من أن الحرب قد اضعفت، بل و دمرت- طيلة الست السنوات – البنية “البيروقراطية”، للنظام، و للمؤسسات الادارية و القانونية للدولة، لأننا لم نتفق على اشياء كثيرة من خلال رؤى سياسية واضحة، بما فيه طبيعة و مضمون الدولة التي نريد: بسيطة، أو اتحادية، و اتحادية كيف، و بأي معنى و مضمون، و هي الثغرة التي اخترقتنا من خلالها القوى المناقضة لوجود الدولة في حياتنا من حيث المبدأ و الاصل .. و ذلك حين تجاوزنا ما اتفقنا عليه في اجمل و اعظم حوار سياسي سلمي (مخرجات الحوار)، و ذهب بعضنا لفرض خيار الأمر الاداري (الفوقي)، خرقا لقرار الحوار، و ذهب بعضنا الآخر لخيار الانقلاب و الحرب، و هو ما نشاهده منتشراً و معمماً في كل البلاد شمالاً و جنوباً .. و تقديري أن جميع كتابات شباب الثورة، و ما تبقى من اصحاب الكلمة الحرة التي أشرنا – كمثال- إلى بعض حملتها، هم من يقودون من خلال مساهماتهم الكتابية في تحريك روح السياسة، و استنهاض دور الناس في المجتمع، لتجاوز الوضع الكارثي/ المأسوي الذي يغطي وجه البلاد كلها شمالاً و جنوباً.
و بهذا المعنى فإن شباب الأحزاب، و رجال الكلمة الحرة من أبناء الشعب، و معهم الكتلة الاجتماعية الصامتة التي تتململ مما هو قائم، و هم الغالبية العظمى من الشعب، هم خيارنا في تحريك دولاب السياسة (الفعل السياسي الديمقراطي) باتجاه التغيير.
إن الرسالة التي أوصلتها جماعة الانقلاب، و الحرب، هو أنه من أجل استدامة الحرب، لابد من تعميم حضور ظاهرة الميليشيات في كل جغرافيا البلاد، و هنا يتوحد المشروع الميليشوي مع المشروع الاقليمي، و الدولي، في السير باتجاه صناعة حلول للوطن من خلال مبادرات شعاراتية لإيقاف الحرب، ٱتية من الخارج، (جو بايدن)، هدفها إعادة ترسيم ما هو قائم، أو ترميمه، وفقاً لمصالح الخارج .. و وفقاً لمعالجات سياسية، لا صلة لها بإصلاح النظام، ناهيك عن تغييره، كما لا صلة لها بالسلام في اليمن.
إن ملامح صورة الحل السياسي لليمن في ضوء خريطة “جو بايدن” هو تقسيم اليمن، تحت شعار إيقاف الحرب، و صناعة “سلام” على هذه القاعدة/ الخريطة. هذا ما هو واضح – على الأقل – حتى الآن..!!
إن أمريكا/ و السعودية، و ايران، و الإمارات، و جميع الأطراف الاقليمية الضالعة في حرب اليمن، لا يهمهم أمر اليمن و استقراره أو تنميته و تقدمه .. لا يهمهم الوحدة، و لا الانفصال “تقرير المصير”، و لا “الدولة الفيدرالية”، إلا بمقدار ارتباط ذلك بتحقيق المصالح السياسية و الاقتصادية، و القومية لبلدانهم .. ما يعنيهم هو أمن و استقرار الملاحة الدولية التي تمر عبر سواحلنا و بحارنا .. ما يهمهم مصالحهم، و مصالح الكيان الصهيوني، و بعدها مصالحهم مع السعودية، و دول الخليج، و بعد ذلك سيتفقون أو يتوافقون على وضع لليمن. و في تقديري، لا يختلف ذلك كثيراً عن وضع العراق الطائفي/ القبلي (الغني/المفقر)، و وضع سوريا، بعد وضعهما تحت وصاية أكثر من دولة اجنبية، و هو ما قد ينتظرنا في اليمن، إن لم نتدارك، و نقبض على زمام أمرنا السياسي و الوطني .. ألم يحتلوا العراق من اجل فرض هذا المنطق و هذا الواقع المأسوي..؟ .. هذا هو سقف مبادراتهم، و قد أكدت تجربة الست سنوات أنها مبادرات غير مجدية، لأنها أصلاً غير عملية و لا أفق سياسي لتنفيذها على الارض .. و بعض المبادرات الداخلية، سوى باسم “السلام”، أو باستجابة لرغبة اقليمية، تدور و تتحرك في ذات الاتجاه: الحفاظ على سلطات الأمر الواقع كما هي، و إعادة إنتاجها في صور محاصصات: مذهبية قبلية، مناطقية قروية .. و جميعها محاولات مكتوب عليها الفشل (إعادة تدوير للعنف و الحرب)، لأنها محاولات بناء لوطن مفترض، من ركام خراب متناثر، و هي محاولات سياسية خارجية شكلية للإصلاح لم تعد ممكنة.
إن بداية الاصلاح و التغيير، بعد كل ما جرى و ما يجري، إنما يبدأ من خلال رؤى فكرية سياسية وطنية واضحة، رؤى مصوبة باتجاه قراءة الواقع في جميع تفاصيله الصغيرة و الكبيرة، و تصويبها باتجاه نقض الراهن (المتخلف، و المعوق للحركة)، بخطوات سياسية عملية تدريجية، و الحركة معاً صوب المستقبل الذي علينا ان نفكر فيه بعيداً عن ضغوطات القوى المتخلفة و المعوقة في الداخل ( دون تجاهلها)، و بعيداً عن الارتهان لكل الخارج .. و هنا يكمن و يتحدد بداية السؤال عن دخولنا للمستقبل معاً .. و البداية أو الخطوة السياسية و العملية للسير على هذا الدرب الصعب و الشاق و المكلف، هو في التجرؤ السياسي و الوطني بإدانة و تجريم حرب 1994م، باعتبارها حرباً لا وطنية، قامت على فكرة العصبية، و الإقصاء، و رفض التعددية، حرباً كان يحكمها و يتحكم بها – و ما يزال – عقل “الفيد” و الغنيمة، حرباً قامت و تأسست على قاعدة “الفرع”، و “الأصل”، و “الضم و الإلحاق” لكل ما لا يقع داخل دائرة “الأصل”، و هي سياسياً و فعلياً من أصابت الوحدة في مقتل، و من انتجت حالة و واقع القضية الجنوبية في صورتها الراهنة و المعاصرة.
و حين نستوعب ذلك بعقل الحرية، و المواطنة، و الدولة، سنتمكن قطعاً من تجاوز جميع المعوقات الذاتية، أولاً، و الموضوعية، ثانياً .. و بدون ذلك، اقولها جازما، لن نتمكن من عبور المضيق، و سنمهد لدخول البلاد في سجالات حربية لا تتوقف إلا لتبدأ.
الخلاصة:
إن تقدم العسكري على السياسي، و تحرك العسكري عشوائياً، و انقياد السياسي له، في واقع الممارسة ضعف الإرادة، و غياب الرؤية الوطنية، و الاستراتيجية، و أضعف التنظيم المدني، و صادر العمل النقابي، و هو ما نراه في صورة صمت السياسي و انكفائه، و جميعها من عززت مكانة العسكرة بدون رؤية، و شجعت ممارسة السياسة بالحرب الميليشوية، و لا خيار سوى بانتصارنا جميعاً لمشروع الدولة اليمنية الديمقراطية الاتحادية، التي بإمكانها فتح الباب الموارب لخيار دولة سلطة القانون (دولة المواطنة للجميع)، و إغلاق الباب الموارب، للحلول السلاموية التلفيقية، التي تجعل الحرب تتدحرج بين الحرب و الحرب، و بين شعار “السلام” الذي يستديم الحرب، و كما قال لي الصديق و الباحث الجميل د. علي محمد زيد، قبل ايام من شهرنا هذا/ مارس2021 م : “ما لم نهتم ببلورة صيغة طموحة و واقعية لسلام لا يكتفي بالوقف المؤقت للقتال، بل يرسي أساسا لسلام مستدام، يحافظ على وحدة فيدرالية للبلاد، و تحقيق الاستقرار، و يحشد جميع القوى و الموارد لإعادة البناء و يضع اليمن على بداية الطريق نحو المستقبل. أظن أن مهمة الصفوة السياسية و الثقافية بلورة هذه الرؤية المستقبلية التي يجد المواطن اليمني أنها تحقق مصالحه”.
و نقطة على السطر.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.